في التاسع عشر من كانون الأول عام 2020 يفوز فريق ليفربول على مانشستر يونايتد في كلاسيكو إنجلترا بعد إحراز النجم المصري محمد صلاح هدف الفوز
يخلع محمد صلاح قميصه احتفالاً بالهدف لتبدو عضلات صدره وبطنه بوضوح ولا نحتاج لدراسات أو إحصائيات عزيزي القارئ لنؤكد لك أن الٱلاف ذهبوا للاشتراك بالنادي الرياضي (الجيم) بعد رؤية هذه الصورة وهذا أمر طبيعي فمن حق كل إنسان أن يمتلك لياقة بدنية تعزز ثقته بنفسه لكن الأمر المستغرب أنه بعد عدة أشهر معظم هؤلاء الذين سجلوا في النادي الرياضي و دفعوا اشتراكاً شهرياً أو سنوياً لم يصبحوا محمد صلاح أو تحسنوا رياضياً بل ربما تدهورت لياقتهم البدنية !
هنا لدينا سؤال يطرح نفسه و بقوة لماذا لا نمتلك القدرة على جعل الرياضة عادة يومية ؟
والأهم من هذا لماذا عندما نبدأ نقرر أن نبدأ بالتمارين الصعبة والمجهدة ؟ وهل حقا هذا ناجع صحياً أم العكس ؟
هذا ما سنجيب عليه في هذا المقال فاحزموا أمتعتكم لتسافروا معنا في هذه الرحلة المميزة والغريبة بين الطب والرياضة .
لا يخفى على أحد أهمية الرياضة فهي وسيلة أساسية لتحسين الصحة الجسدية واللياقة البدنية فهي تلعب دوراً مهماً في حياتنا وتعلمنا الانضباط وكيفية العمل في فريق، كما أنها تساعدنا في تخفيف التوتر والتوتر علاوةً على ذلك، توفر لنا الرياضة فرصة للتواصل الاجتماعي وتكوين صداقات جديدة .
فهرس المقال
الرياضة والصحة النفسية
إن دور الرياضة في الصحة النفسية وعلاج الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية يزداد أهمية يوما بعد يوم بفضل أبحاث العلماء المتزايدة في هذا المجال حيث تحفز مزاولة التمارين الرياضية بانتظام مناطق في الدماغ لها دور في الحركة كي تزيد إفرازاتها من المواد الكيميائية الدماغية التي تعزز الحالة المزاجية، وهذه الإفرازات تظل مرتفعة حتى بعد مرور أسبوع من عدم مزاولة التمارين الرياضية ، فضلا عن ذلك فالرياضة تساعد الحالات المرضية التي يعاني فيها المريض من خلل في تنظيم الدوبامين (هرمون السعادة و الحميمية) كما هو الحال في داء باركنسون .
الأسباب التي تمنعنا من ممارسة الرياضة بانتظام
-
الخروج من منطقة الراحة
إن خوفنا من الخروج من منطقة الراحة هو السبب الأهم لعدم التزامنا بالرياضة ، فالفوائد التي سبق و تحدثنا عنها معروفة لدى جميع الناس لكنهم بكل بساطة اختاروا أن يبقوا في منطقة الراحة هذا ما تخبرنا به الدكتورة شيري باغوتو فالناس يطرحون عشرات الأعذار (التي سنأتي على ذكرها بعد قليل ) التي تمنعهم من الالتزام اليومي بالرياضة وتحقيق أحلامهم في خسارة الوزن أو امتلاك جسم يرضي ذواتهم ويخلصهم من نظرات الناس من حولهم التي تشعرهم بالخيبة و الحزن بل ربما تقودهم إلى الاكتئاب إلا أن السبب الحقيقي الكامن وراء هذه الأسباب هو صعوبة الخروج من منطقة الراحة الخاصة بهم .
إذا أردت التعرف أكثر على منطقة الراحة فالفيديو التالي سوف يفي بالغرض
-
الوراثة
ماذا ؟! نعم إنها الوراثة قد لا تكون ذاك السبب الجوهري الذي يقف حائلا بيننا وبين ممارسة الرياضة بانتظام ولكنها أحد الأسباب التي لا يحسب لها أحدهم حسابا حيث تشير الدراسات التي تمت على التوائم أن 50% من الاختلاف بين الناس في النشاط الجسدي و الفعالية البدنية عائد لأسباب وراثية إذ تم تحديد بعض الجينات المسؤولة عن اختلاف مجموعة من المركبات الكيميائية الخافضة للضغط والموسعة للقصبات والشرايين والأوردة والتي تؤثر على الطريقة التي تتعامل بها الرئتين مع التمارين الرياضية الشاقة.
والوراثة ليست مقتصرة على الشكل البيولوجي منها بل هناك أيضاً جانب نفسي سلوكي فالأهل المداومون على ممارسة الرياضة بانتظام يملك أولادهم فرصاً أعلى مستقبلاً في جعل الرياضة عادة يومية .
-
الحماس
في تجربة سميت ب تجربة المارشميللو تم إحضار مجموعة من الأطفال وتخييرهم بين تناول قطعة مارشميلو فور إعطائهم إياها أو الانتظار ربع ساعة و الحصول على قطعة إضافية وتبين أن 70% من الأطفال لم ينتظروا ربع ساعة و اكتفوا بتناول قطعة المارشميلو فور إعطائهم إياها
السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما علاقة تجربة المارشميلو بالرياضة ؟!
يميل الإنسان إلى اختيار الأمور التي تمنحه شعورا بالسعادة على المدى القريب كوسائل التواصل الاجتماعي و الطعام والتنزه مع الأصدقاء بخلاف الرياضة و الدراسة والقراءة وغيرها من السلوكيات الإيجابية التي تحتاج وقتا لتظهر نتائجها الإيجابية .
الكثيرون يدخلون مرحلة التدريب بالحماس اللحظي الذي انتابهم بعد مشاهدة صورة محمد صلاح و يقررون أن يصبحوا مثله خلال أسبوعين من التدريب القاسي لكنهم يرجعون عن قرارهم مع أول عرض من صديق لهم بأن يتناولوا الغداء في المطعم الذي افتتح حديثاً في المدينة .
لماذا حصل ذلك ؟!
لأن الحماس الٱني ليس كافياً لتحقيق هدف والمثابرة على عادة يومية للوصول إليه كما أن السعادة التي سنحصل عليها من تناول الغداء مع الأصدقاء تستغرق وقتا أقل بكثير من الوقت الذي تستغرقه السعادة التي سنشعر بها بعد امتلاك جسد متناسق و رياضي .
نستنتج من ذلك أن تعامل الناس مع الرياضة بالحماس وحده خطأ كبير ، فالرياضة كما الدراسة كما العمل تحتاج إلى خطة واضحة وهدف واضح لبلوغ ما تريد فإذا قررت ممارسة الرياضة يومياً حتى لو كنت تمتلك الحماس الكافي لممارسة الرياضة بشكل منتظم على مدار أسبوع كاملا مثلا فلن تستطيع الاستمرار أسبوعاً ٱخر أو اثنين لأنك بكل بساطة لا تعرف لماذا تمارس هذا الفعل و ما الهدف الذي تصبو لتحقيقه بعد ستة أشهر أو سنة من المداومة عليه .
لذلك فإن حماس البدايات الذي سينتابك بعد قراءة هذا المقال عليه أن يوجه ضمن خطة و أهداف و بالعودة إلى تجربة المارشميلو فعليك أن تكون واعياً عند وضع تلك الأهداف و الخطط أنها ستسغرق وقتاً حتى ترى الفائدة الحقيقية للالتزام فلا ترضخ للملهيات التي تعيقك عن الالتزام و تمنحك شعورا مؤقتاً بالسعادة .
-
الوقت و المال
يعتقد الكثيرون أن ممارسة الرياضة بشكل منتظم سلوك يستهلك وقتاً و مالاً والأمران ليسا في متناول اليد فمشاغل الحياة اليومية من عمل وعائلة و تربية و تعليم ما إلى ذلك تضع على عاتق المرء أعباء مادية وتستهلك من وقته الشيء الكثير إلا أن كل هذه الادعاءات لو نوقشت بالمنطق السليم لانقلبت على صاحبها !
فما تعود به الرياضة على ممارسها من فوائد نفسية و جسدية ستخفف عليه من العبء النفسي الذي يفرضه تسارع الحياة المعاصر بل ستساعده على أداء هذا المهام بجودة أعلى فصحته النفسية خير مما كانت عليه قبل الرياضة إذن فتعامله مع الأزمات و المشاكل سيكون أكثر مرونة من سواه كذلك الأمر بالنسبة للصحة الجسدية.
أما بالنسبة للمال فتحصيل اللياقة البدنية ليس مقروناً بالذهاب إلى النادي الرياضي (الجيم) بإمكانك المشي لمدة نصف ساعة صباحاً بشكل يومي ومتابعة بعض القنوات على اليوتيوب التي تعلمك كيفية ممارسة بعض التمارين في المنزل و بشكل صحيح و ستبقى مدخراتك المالية كما هي !
بإمكانك الاطلاع من خلال الرابط التالي الاطلاع على بعض التمارين التي تستطيع ممارستها في المنزل
التدرج في التمارين الرياضية
إذا كنت قد وصلت إلى هنا عزيزي القارئ فأنت قد عرفت الأسباب التي تمنعك من الالتزام بالرياضة ولكن هذا ليس كافياً لكي تصبح محمد صلاح فما العمل ؟!..عليك بالتدرج
يظن الجميع أنه بمجرد امتلاكهم شعلة حماس كبيرة في داخلهم ومعرفتهم الأسباب التي تمنع من الناس من الالتزام فإنهم سيذهبون إلى النادي الرياضي ويمارسون أصعب التمارين وأكثرها عودة بالفائدة على صحة أجسامهم وقوة عضلاتهم إلا أن هذا اعتقاد شائع خاطئ .
إن أهمية التدرج تنبع من كونه يقوم على مفهوم التراكم حيث أن البدء بتمرين ذي شدة مناسبة لقوة الجسم الحالية أو حمل أثقال ذات وزن مناسب سيمنح الجهاز العصبي الإشارة لتنبيه الجسم أن الشدة المقدمة تفوق قوة الجسم بقليل ومع الوقت يتم التكيف معها من خلال الثبات على هذه الشدة فترة معينة من ثم الانتقال إلى شدة أعلى حين يفقد التنبيه بالشدة السابقة أهميته بالنسبة للجسم و الجهاز العصبي لأنهما اعتادا عليه.
محاور التدرج الأربعة
- التكرار (زيادة عدد المرات التي تقوم بها بتمرين ما )
- الزمن (زيادة الزمن التي تقضيه في القيام بتمرين ما )
- النوع (إضافة نوع جديد من التمارين على التمارين التي تقوم بها )
- الشدة (زيادة الثقل أو الأوزان التي تحملها في كل تمرين )
فوائد التدرج في في التمارين الرياضية
- الاستمرارية : فعندما تبدأ بشكل مناسب لقوتك الحالية ترى أن الأمر ليس بتلك الصعوبة وهذا ما يعزز لديك الالتزام
- تعزيز التكيف و التنسيق : فالجهاز العصبي يتلقى تنبيهات بشدة معقولة و يعمل على التكيف مع هذه التنبيهات خلال فترة معينة
- زيادة حجم العضلات و قوتها : لأنك تمنحها تنبيهاً مناسباً لما هي عليه في البداية فتحميها من خطر التمزق و تضمن لها تطوراً تدريجياً .
ختاماً قد لا يكون هدفك أن تصبح مثل محمد صلاح ولكنك غير راضٍ عن لياقتك البدنية الحالية… تمعن في الأسباب التي أخبرناك عنها في هذا المقال فإن كانت هي فاعمد إليها فعالجها و إن لم تكن هي فحاول أن تبعد الأعذار جانباً و تسأل نفسك لماذا لا تمارس الرياضة بانتظام و ما الذي يمنعك من تغيير وضعك البدني الحالي وحينما تجد السبب و تشتعل الرغبة في داخلك للالتزام بممارسة الرياضة إياك أن تقع في فخ حماس البدايات بل عليك بالتدرج لتحقق الاستمرارية التي ستكون مع التدرج كفيلة بتحقيق هدفك من الالتزام بالرياضة .
المراجع :
https://2u.pw/uMHfqQ
https://www.google.com/amp/s/amp.abc.net.au/article/everyday/100560888
https://www.google.com/amp/s/www.syr-res.com/amp.php%3fid=1243
https://www.health.harvard.edu/newsletter_article/why-we-should-exercise-and-why-we-dont
https://www.psychologytoday.com/us/blog/shrink/201411/the-real-reason-we-dont-exercise?amp