متلازمة القولون العصبي ( Irritable bowel syndrome) تعتبر واحدة من أشيع الاضطرابات الهضمية الوظيفية التي يعاني منها عددٌ كبيرٌ من البشر حول العالم، والتي تؤثر في صحة الإنسان النفسية والجسدية على حدٍ سواء، كما أنّها قد تحدث بسبب الاضطرابات النفسية وتتأثر بها.
بلغت اليوم نسبة المصابين بمتلازمة القولون العصبي 10-15% من الأشخاص حول العالم، مع العلم بأنّ نسبة إصابة النساء بها ثلاث أضعاف نسبة إصابة الرجال، إضافة إلى أنّ جميعهم في سن المراهقة أو الشباب، حيث تتراجع الإصابة بالقولون العصبي مع التقدم في العمر.
يعاني المصابون بهذه المتلازمة من آلام بطنية شديدة وإسهالات وإمساك أو كليهما، إضافة إلى النفخة والغازات. كما تحتاج متلازمة القولون العصبي لعلاج طويل الأمد، على اعتبارها مرضاً مزمناً لا شفاء منه.
ومن هنا يأتي السؤال هل يمكن علاج متلازمة القولون العصبي بالعلاج النفسي؟ سنتعرف على ذلك من خلال المقال.
فهرس المقال
كيف تعرف أنك مصاب بمتلازمة القولون العصبي؟
يمكن لمتلازمة القولون العصبي أن تتظاهر بالعديد من الأعراض السريرية التي تدفعنا للتفكير بها، وتقسم هذه الأعراض إلى نوعين هما أعراض جسدية و أعراض نفسية.
أولاً: الأعراض الجسدية بمتلازمة القولون العصبي
تتراوح الأعراض بين أعراض خفيفة يتظاهر بها المرض في بدايته وأعراض شديدة تستدعي الاستشارة الطبية. وأهم ما يميز هذه الأعراض عن غيرها هو حدوثها على شكل نوبات أي تظهر لفترات وتختفي لفترات أخرى بالتناوب.
الأعراض الرئيسية:
- النفخة.
- الإسهال والإمساك بالتناوب.
- آلام وتقلصات في المعدة تزداد سوءاً بعد تناول الطعام وتتحسن بعد عملية التغوط.
- التعب.
- الغثيان والإقياء.
- مشاكل بالتبول.
- الغازات.
- خروج كميات كبيرة من المخاط مع البراز.
الأعراض الشديدة التي تستدعي استشارة الطبيب:
- خروج دم مع البراز.
- فقدان وزن سريع وشديد.
- الإسهال ليلاً.
- صعوبة في البلع.
- آلام هضمية مستمرة لا تتحسن بعد التغوط.
- فقر الدم.
ثانياً: الأعراض النفسية بمتلازمة القولون العصبي
يترافق حدوث القولون العصبي مع ظهور العديد من الاضطرابات النفسية، إذ يعزى ذلك إلى اضطراب في نقل الإشارات العصبية من الجهاز الهضمي إلى الدماغ والعكس، إلاّ أنّه في كثير من الأحيان تكون الاضطرابات النفسية غير مرتبطة بأي مشاكل فيزيائية تحدث في الجسم. ومن هذه الأعراض على سبيل المثال:
- القلق.
- الاكتئاب.
- الحزن.
- اضطرابات في النوم.
- الاضطراب ثنائي القطب.
- الرغبة بالانتحار.
أسباب متلازمة القولون العصبي
على الرغم من أنّ الأسباب المحدثة لهذه المتلازمة مازالت غير واضحة حتى الآن، فالجهاز الهضمي حساس للعديد من العوامل وتختلف هذه العوامل من شخصٍ لآخر. لكن يعتقد أنّ هنالك مجموعة من العوامل البارزة هي الأكثر تسبباً في حدوثها، يذكر منها:
- مشاكل في تقلص العضلات الملساء الخاصة بالجهاز الهضمي وتحريك الطعام عبره.
- فرط حساسية الأعصاب في الجهاز الهضمي.
- عدوى فيروسية أو جرثومية يمكن أن تزيد من الجراثيم في الأمعاء.
- سوء التواصل بين الدماغ والأمعاء.
- الاضطرابات النفسية ولاسيما تلك التي تحدث في سن الطفولة.
الفئات الأكثر خطورة للإصابة بالقولون العصبي
- المراهقون والشباب دون سن الأربعين، إذ تتراجع نسبة ظهوره في الأعمار المتقدمة.
- النساء أكثر عرضةً للإصابة من الرجال، خاصةً النساء اللواتي يتناولن مانعات الحمل الأستروجينية أو يخضعن لعلاج بالأستروجين أثناء انقطاع الطمث .
- الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالقولون العصبي.
- المعرضون للتوتر والقلق بشكل كبير.
- الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل الطعام.
- من تعرض سابقاً إلى اعتداءٍ جنسي.
مضاعفات الإصابة بمتلازمة القولون العصبي
- يمكن للإمساك المزمن أو الإسهال المزمن أن يتسبب في حدوث البواسير.
- انخفاض في جودة الحياة والامتناع عن تناول العديد من الأطعمة.
- التغيب عن العمل لأيام طويلة وما يترتب عليه من أذى اقتصادي للفرد، حيث أشارت الأبحاث إلى أنّ عدد الأيام التي يتغيب بها المصابون بهذه المتلازمة عن العمل تبلغ ثلاث أضعاف عدد الأيام التي يتغيب بها الأشخاص غير المصابين.
- الرغبة في الانتحار، إضافةً للعديد من الاضطرابات المزاجية متقلبة الشدة.
العلاقة بين متلازمة القولون العصبي والأمراض النفسية
الأمعاء الغليظة على صلة وثيقة بالدماغ وكلاهما يعمل بالتعاون مع الجهاز المناعي والهرموني، فأي خلل بأحد هذه المسارات ينشأ عنه العديد من الاضطرابات الهضمية والنفسية أيضاً. هذا ما يفسر تأثير العديد من المشاعر على الجهاز الهضمي.
تحفز الاضطرابات النفسية على إنتاج هرمونات تؤثر سلباً على حركة الأمعاء الغليظة بالإضافة إلى إحداث خلل في البكتيريا الموجودة بها، وكما نعلم أن الأمعاء الغليظة لدى الإنسان تحتوي على العديد من الجراثيم والتي توجد بشكل طبيعي في الجسم وتلعب دوراً مناعياً هاماً في المحافظة على استقرار واستتباب الجسم تجاه العوامل المختلفة المهددة لحياة الإنسان، وإنّ أي خلل يطال هذا النبيت الجرثومي يؤثر سلباً على صحة الجهاز الهضمي وصحة جميع الأعضاء الأخرى.
تشخيص متلازمة القولون العصبي
لم يتم إيجاد طريقة ثابتة ومعتمدة للتشخيص حتى الآن، فتشخيصها عادةً معتمد على نفي جميع الأسباب المؤدية إلى الأعراض الهضمية السابقة.
من الطرق المتبعة أثناء التشخيص:
1. استجواب المريض والفحص السريري:
يطرح الطبيب مجموعة من الاسئلة لمعرفة الشكوى الرئيسية والتاريخ الشخصي والعائلي للأمراض السابقة ومعرفة العادات والسلوكيات الموجودة لدى الفرد. كما يعتمد الأطباء على معايير روما في التشخيص، والتي تعتمد لوضع التشخيص على وجود آلام بطنية لمدة يوم واحد في الأسبوع على الأقل في الثلاث أشهر الماضية، بالإضافة لوجود عرضين أو أكثر من الأعراض التي يبحث عن وجودها الطبيب من خلال طرح مجموعة من الأسئلة. ومن الأسئلة المطروحة:
- هل الألم مرتبط بالطعام أو بعملية التغوط؟
- ما عدد مرات التغوط؟
- ما طبيعة الغائط؟
- هل يوجد زيادة في وتيرة الغازات عن المعتاد؟
- هل يوجد شعور نفخة في البطن؟
ومن ثم يتم إجراء الفحص السريري من إصغاء وجس وقرع. إلاّ أنّه قليل الفائدة، فلا يوجد أيا موجودات سريرية غير طبيعية تساعد على التشخيص باستثناء بعض الإيلام عند الجس فوق منطقة الأمعاء الغليظة (القولون) في بعض الأحيان.
2. تحاليل مخبرية واستقصاءات شعاعية:
- تحليل البراز الذي يكشف البكتريا الموجودة ويساعد في نفي العديد من الأمراض المختلفة.
- فحص التنفس للبحث عن وجود فرط نمو للبكتيريا في الأمعاء والشائع حدوثه بعد إجراء عمل جراحي على الأمعاء أو لدى المصابين بمرض السكري.
- اختبارات عدم تحمل اللاكتوز، وهو إنزيم يساعد في هضم السكر الموجود في مشتقات الحليب، وعدم إنتاجه في الجسم يسبب أعراض مشابهة للقولون العصبي.
- تنظير القولون.
- إجراء صورة شعاعية أو طبقي محوري للبطن وذلك من أجل نفي العديد من الأمراض الأخرى.
العلاج التقليدي لمتلازمة القولون العصبي
يقسم العلاج التقليدي إلى قسمين علاج دوائي و علاج وقائي من النوبات بتغيير النظام الغذائي و نمط الحياة.
العلاج الوقائي من النوبات:
- تجنب تناول الأطعمة التي تتسبب في ظهور الأعراض ولاسيما المشروبات الغازية والكحول ومنتجات القمح وغيرها.
- تناول الأطعمة الغنية بالألياف لتجنب حدوث الإمساك أو ظهور البواسير.
- شرب الكثير من السوائل.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام.
- الحصول على قسطٍ كافٍ من الراحة والنوم.
- الامتناع عن التدخين.
- تناول الوجبات الصغيرة على فترات متقطعة.
العلاج الدوائي:
بالإضافة للعلاج الوقائي وحسب الأعراض الموجودة قد يصف الطبيب تناول عدد من الأدوية مثل:
- المكملات الغذائية الحاوية على الألياف.
- الملينات في حال لم تنفع الألياف في التخلص من الإمساك.
- المضادات الكولينية التي تساعد في التخفيف من التشنجات المعوية والإسهال.
- مضادات الإسهال.
- مضادات حيوية التي تحد من فرط النمو الجرثومي.
- الأدوية التي تحث على زيادة إفراز السوائل من الأمعاء.
العلاج النفسي للقولون العصبي
في الآونة الأخيرة بدأ الاهتمام يتزايد حول إدخال العلاج النفسي بالمشاركة مع العلاج التقليدي لمتلازمة القولون العصبي، الأمر الذي أدى إلى نتائج أفضل على الصعيدين النفسي و الجسدي. يقدم العلاج النفسي من خلال:
العلاج السلوكي المعرفي:
يساعد العلاج السلوكي المعرفي من خلال التحدث مع المعالج النفسي في فهم الكثير من المشاعر والأفكار السلبية واستبدال أفكارٍ ومشاعرٍ إيجابيةٍ وأكثر واقعية بها.
وبعد دراسات عديدة أجريت على عدة سنوات وجد الأطباء أن العلاج السلوكي المعرفي قد خفف الكثير من أعراض القولون العصبي لدى معظم المرضى، مما جعلهم يشعرون بتحسن جسدي ويكونون أقل قلقاً واكتئاباً.
العلاج بمضادات الاكتئاب:
يمكن لبعض الأدوية المضادة للاكتئاب التي تساعد في تحسين المزاج أن تمنع بعض الأعراض الهضمية من الظهور مما يحسن من جودة الحياة لدى المرضى. لكن استخدامها يختلف من حالة لأخرى وهذا ما يستدعي طلب استشارة طبية قبل تناولها.
تتضمن الأدوية المضادة للاكتئاب المفيدة في علاج مرضى متلازمة القولون العصبي نوعين هما:
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات.
- مثبطات إعادة قبط السيروتونين الانتقائية.
وماتزال الدراسات تجرى من أجل معرفة مدى أمان وفعالية هذه الأدوية على المرضى.
العلاجات المستقبلية المحتملة
يعمل الباحثون في الوقت الحالي على إيجاد طريقةٍ لتعويض توازن النمو الجرثومي الطبيعي المتواجد في الأمعاء الغليظة والغائب لدى مرضى متلازمة القولون العصبي بشتى الوسائل الممكنة. ومن الطرق التي تم ابتكارها على سبيل المثال صناعة أدوية تحتوي هذه الجراثيم أو زرع البقعة الغائطية، وتجرى حالياً تجارب سريرية عديدة من أجل زرع البقعة الغائطية.
وبالختام نستنتج من كل ذلك أنّ متلازمة القولون العصبي متلازمة حميدة وغير مهددة للحياة. يستطيع الإنسان التعايش معها، كما أنه يتوفر لها العديد من العلاجات ومازال المستقبل يحمل الأمل لإيجاد علاجٍ شافٍ من أجل الحصول على حياة خالية من اضطرابات القولون العصبي.
المصادر
- WebMD ( webmd.com ) ?IBS and Depression: What’s the Link
- MDPI ( mdpi.com) Irritable Bowel Syndrome, Depression, and Neurodegeneration: A Bidirectional Communication from Gut to Brain
- healthline ( healthline.com) Everything You Want to Know About IBS